هاجر بنت قمبر بن عوض العجمية **
تتقدّم المرأة العُمانية بثقة واقتدار لتكون شريكًا فاعلًا في بناء ثقافة مرورية آمنة، ومن هذا المنطلق تنطلق الحملة الوطنية للقيادة الوقائية للمرأة بسلطنة عُمان بتنظيم من الجمعية العُمانية للسلامة على الطرق بوصفها مبادرة عملية لا تكتفي بالشعارات؛ بل تضع التدريب الممنهج والتمكين المعرفي في مقدّمة أدواتها.
جوهر الفكرة بسيط وعميق في آنٍ معًا تحويل مبادئ السلامة من معلومات عامة إلى مهارات سلوكية راسخة تُرافق السائقة في سلطنة عُمان منذ لحظة تشغيل المركبة وحتى عودتها آمنةً إلى أسرتها. والحاجة إلى هذه الحملة ليست ترفًا؛ فهي استجابة واقعية لأرقام الحوادث وسلوكيات الطريق المتغيّرة والتقنيات الجديدة التي دخلت المركبات والهواتف الذكية وفرضت تحدّيات إضافية تتعلق بالانتباه والانضباط، كما إنها تعبير عن دور المرأة الاجتماعي والاقتصادي المتنامي؛ حيث يرتبط تنقّلها الآمن باستمرارية عملها ورعاية أسرتها وثقتها بقدرتها على إدارة المخاطر.
وترتكز الحملة على هدفٍ عام واضح هو توعية وتدريب المرأة في سلطنة عُمان على مهارات القيادة الوقائية بأساليب حديثة ومحتوى تطبيقي يوازن بين النظرية والتجربة، وتتفرّع عنه غايات استراتيجية تشمل رفع الوعي بالسلوكيات الآمنة، وتطوير المهارات العملية في قراءة الطريق وإدارة السرعة والمسافات والتعامل مع المُفاجآت، ونشر ثقافة مرورية مستدامة تجعل من المتدرّبات سفيراتٍ للسلامة داخل أسرهن وبيئات عملهن ومجتمعاتهن المحلية. ولأنَّ الأثر الحقيقي لا يتحقّق إلا بالوصول المتوازن، تستهدف الحملة طيفًا واسعًا من الفئات، مع إعطاء الأولوية لسائقات الأجرة والنقل المدرسي ومقدّمات خدمات التوصيل، والشابات الحاصلات حديثًا على رخصة القيادة أو المقبلات عليها، والأمهات ونساء المجتمع ممّن يعتمدن على المركبة في شؤون الأسرة والعمل، ضمن خطة انتشار جغرافي لتدريب ألف امرأة في جميع المحافظات بمتوسط مئة متدرّبة لكل محافظة ومئتين لمحافظة مسقط.
وتنطلق المرحلة الأولى من مركز تنفيذٍ عالي الجودة في معهد السلامة المرورية بمحافظة مسقط، بطاقة استيعابية لنحو 25 مُتدرِّبة في الدورة الافتتاحية، تمتد لـ5 أيام متتالية من الأحد إلى الخميس، وبمعدل 5 ساعات تدريبية يوميًا تجمع بين الشرح التفاعلي والمحاكاة والتطبيق الميداني. وتستند هذه المرحلة إلى شراكات مؤسسية راسخة مع الجهات المعنية وبرعاية كريمة من شركة العُمانية للغاز الطبيعي المُسال، مع التنسيق الوثيق مع شرطة عُمان السلطانية والمعاهد المعتمدة لضمان معايير تدريبٍ دقيقة ومخرجات قابلة للقياس.
ويأتي المحتوى التدريبي متكاملًا متضمن قيادة وقائية عملية تركّز على القراءة المتقدمة للطريق ومناطق الخطر وتجنّب الأخطاء الشائعة، والتعامل مع الظروف البيئية المتغيّرة كالأمطار والضباب والطرق الجبلية والقيادة الليلية، واستخدام التقنيات الحديثة بوعي من دون تشتيت، إضافةً إلى أساسيات الإسعاف الأولي وإدارة موقع الحادث والتواصل الفعّال مع الجهات المختصة، مع استضافة محاضراتٍ تقدّمها متخصصاتٌ في علم النفس وتطوير الذات لدعم جانب السلامة الذهنية أثناء القيادة.
ولتعظيم الأثر على المدى المتوسط، تتبنّى الحملة مسار «تأهيل المُدرّبات» لإعداد كادرٍ نسائيٍّ معتمدٍ ينقل الخبرة ويُوسّع نطاق الاستفادة في المحافظات، إلى جانب تطوير قناة رقمية دائمة عبر منصةٍ أو تطبيقٍ يوفّر مواد تعليمية تفاعلية واختباراتٍ قصيرة وإشعاراتٍ تذكيرية بالصيانة الدورية وفحوصات السلامة. ولأن الحوافز تعزّز الالتزام وتسرّع ترسّخ السلوك، تمنح الحملة مزايا عملية للمتدرّبات تشمل اشتراكًا مجانيًا لعامٍ كامل في المنصة الرقمية، وتخفيضاتٍ على وثائق التأمين وفحوصات المركبة والصيانة وخدمة المساعدة على الطريق، إلى جانب «حقيبة سلامة» تحتوي أدواتٍ أساسية مثل مقياس ضغط الإطارات وأداة كسر الزجاج وقطّاعة حزام الأمان، فضلًا عن قسائم لاقتناء منتجات السلامة كمقاعد الأطفال وحقائب الإسعاف وطفايات الحريق.
ولا تُقاس الفعالية بالانطباع العام، بل بمؤشرات أداءٍ واضحة تتابعها الحملة بدقة، مع مراجعاتٍ دورية لتحديث المحتوى التدريبي بما يتوافق مع النتائج العملية واحتياجات الطريق الفعلية. وعلى المستوى المجتمعي، تتوقّع الحملة أثرًا مباشرًا على سلامة الأسر حين تنتقل الممارسات الآمنة من المقعد الأمامي إلى المقاعد الخلفية حيث يجلس الأطفال، وتأثيرًا اقتصاديًا إيجابيًا عبر خفض تكاليف الحوادث وتعطّل العمل والأضرار المادية، وتعزيزًا عامًا لثقة المجتمع بالبنية المرورية وخدمات النقل.
وتفتح الحملة أبوابها للمشاركة بأشكالٍ متعددة؛ فالراغبات بالتسجيل يمكنهن متابعة قنوات الجمعية العُمانية للسلامة على الطرق لمعرفة مواعيد الدفعات وآلية الانضمام، فيما تُدعى المؤسسات والشركات إلى عقد شراكاتٍ ورعاية برامج نوعية داخل محافظاتها أو قطاعاتها المهنية، ويستطيع المجتمع المحلي استضافة جلساتٍ قصيرة في المدارس والجامعات والجمعيات ونشر رسائل التوعية في الفضاء الرقمي.
وبهذه الحلقة المتكاملة من التدريب والشراكات والتحفيز والقياس، لا تبدو الحملة دورةً عابرة بقدر ما تبدو منظومة تمكينٍ مستدامة؛ منظومةٌ تنقل القيادة الوقائية من صفحات الكتيّبات إلى تصرّفاتٍ يومية صغيرة لكنها حاسمة، وتحوّل المعرفة إلى عادة، والعادة إلى ثقافة، والثقافة إلى أمانٍ ينعكس على الجميع.
وبهذه الروح تمضي المرأة العُمانية قُدمًا، تقود ذاتها وأسرتها ومجتمعها بثقة، وتكتب مع شركائها قصةَ طريقٍ أكثر وعيًا ومسؤولية.
** رئيسة مجلس إدارة الجمعية العُمانية للسلامة على الطرق